Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

شُرطي فِكِرْ

 

   فكما انّ في اي مجتمع شرطي مرور، مثلا، كذلك هناك شُرطي من نوع خاص مهمته الرقابة على الفكر والرأي، فيكفّر هذا ويقتل ذاك ويقيم الحد على ثالث ويتهم رابع ويُسقّط خامس، وهكذا، وهو اخطر انواع الشرطة في المجتمع لانهم يلاحقون الناس على أفكارهم وآرائهم، فيما نعرف جميعا بان المجتمع، أي مجتمع، يموت اذا قُمع فيه الفكر الحر وبُنيت حول عقول الناس أسيجة من الارهاب وأسلاك شائكة من الترهيب والترغيب.

   فما هي العلل التي تدفع ببعض الناس الى ان يعيّنوا انفسهم شرطة فِكِر في المجتمع؟ ولماذا؟.

   ١/ العصبية، التي تدفع صاحبها الى احتكار الحقيقة والتي تدفعه بدورها الى الغاء الاخر لأبسط اختلاف في الرأي.

   ٢/ سوء الفهم، والذي سببه انه يصغي لكل من هب ودب الا من صاحب العلاقة، فاذا به يبني تصورات خاطئة عنه لم ينزل الله بها من سلطان.

   ٣/ الغلو، سواء في الدين او في العقيدة السياسية او في الانتماء الحزبي او في الولاء للقائد الضرورة او في اي شيء اخر، فالغلو كمفهوم مذموم لانه يُنتج العصبية السلبية.

   ٤/ الجمود الفكري الذي يُنتج أمّعات تؤمن بلا تفكير وتقبل بلا نقاش وتتّبع بلا فهم وتُقاد بلا وعي، ولذلك ترى ان اغلب شرطة الفكر في المجتمع هم من الأميين والجهلة وعديمي الثقافة، من الذين يسهل قيادهم كالخراف في ساحات الصراع الفكري والسياسي.

   ٥/ عبادة الشخصية التي تلغي حرية التفكير ما يُنتج، كذلك، أمّعات تتبع بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، الامر الذي ينتج شرطة فكر، تستنفر قواها السبعية بمجرد ان يوجه احدٌ سؤالا او نقدا للقائد الضرورة، او يخالفه في راي.

   ٦/ التشويه المتعمّد وخلط الامور وتحميل الرأي الاخر ما لا يطيق، فذلك كله ينتج شرطة فكر تقف على اهبة الاستعداد لقصف الرأي الاخر بالتهمة والتشكيك واغتيال الشخصية.

   ٧/ قدسية الرأي عند اتباع كل قائد ضرورة، فتراهم لا يُطيقون سماع النقاش والخلاف في الرأي حتى اذا كان بسيطا، فالرأي محترم ولكنه ليس مقدسا، محترم يعني قابل للنقاش ويحتمل الخلاف، اما اذا قلنا بانه مقدس فذلك يعني القبول به على كل حال، وهنا مكمن الخطا القاتل.

   طبعا، لا احد من شرطة الفكر يعترف بكل هذا، ولذلك تراه يغلّف مهمته بعبارات ويافطات مقدّسة عند عامة الناس، منها مثلا:

   الف: ضم شمل الجماعة ومواجهة الفرقة والتمزق، باء: القضاء على البدع والضلالات والحيلولة دون فساد العقيدة، جيم: خطورة الظرف وحساسية المرحلة التي لا تحتمل رأيا الا راي القائد الضرورة، وغيرها من الحجج والأعذار المغلفة بإطار الناصحين المشفقين، كما قال فرعون {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}.

   اما أدوات شُرطة الرأي، فكثيرة تقف على رأسها:

   اولا: علماء السوء ووعاظ السلاطين وفقهاء البلاط، ثانيا: السلطان الجائر الذي يفتك بالخصم لأبسط اختلاف في الرأي، خاصة اذا كان على شفا نار الانهيار، ثالثا: الاعلام الطائفي والعنصري والحزبي والسلطوي الذي يجتهد لتضليل الرأي العام من خلال تسويق القائد الضرورة وتسفيه آراء المعارضين السياسيين ليسهل على السلطة تصفيتهم بعد عزلهم دينياً ووطنيا عن المجتمع من خلال كم هائل من التحشيد المضّلل والتقوّل الباطل.

   اما الحل، فبرأيي يمكن إنجازه بما يلي:

   ١/ إطلاق الحرية للعقل ليفكر بشكل سليم، فلا يقبل او يرفض، يعارض او يؤيد، بلا تفكير.

   ٢/ الاعتراف بالآخر واحترام الرأي والرأي الاخر بلا تعصب او استخفاف او استهزاء.

   ٣/ الحوار، فهو الطريق الأمثل للتعارف الذي يُنتج الفهم المشترك والذي يحقق بدوره التعايش بين مختلف مكونات المجتمع مهما تعدّدت.

   ٩ آب ٢٠١٤

                         للتواصل:

E-mail: nhaidar@hotmail. com

Face Book: Nazar Haidar 

WhatsApp & Viber& Telegram: + 1 (804) 837-3920

  


 

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
 الجامعة وهجرة العقول	الجامعة وهجرة العقول عبدالحسين شعبان/ طرحت التغييرات التي حصلت في العديد من البلدان العربية موضوع الحرية الفكرية في الاطار الجامعي والأكاديمي على بساط البحث، خصوصاً في ظل الجدل المُثار سابقاً وحالياً حول النظام التعليمي والتربوي تجربة تعددية القوميات والديانات والجنسيات المختلفة في إقليم كردستان العراق تجربة تعددية القوميات والديانات والجنسيات المختلفة في إقليم كردستان العراق يحتضـن إقليم كردستان شمال العراق العديد من المكونات والأديان والإثنيات، هذا التعدد قد يكون تحديًا في مناطق أخرى إلا أن الإقليم اعتبره ميزة وعمل على  ترسيخ روح التعايش والاندماج بين هذه المكونات. ما بين الخطيئة والصواب ... خطوط حمراء سهى بطرس هرمز/ يقال أن الإنسان ولدَّ بطبيعتهِ ميال إلى الخطيئة والرغبة في ارتكاب الخطيئة سواء كان بحق نفسهِ أو بحق الآخرين، وفي الوقت ذاتهُ بماذا عالج الامام السجاد مشكلة الامة؟ نــزار حيدر/ لماذا ارتكبت الامة جريمتها المروعة في العاشر من محرم الحرام عام 61 للهجرة، بقتلها سبط رسول الله (ص) وسيد شباب اهل الجنة
Side Adv2 Side Adv1